- سيفان باور، ألماني الجنسية، ممرض وسائق اسعاف، رمت به أياد القدر ليعمل عاما كاملا في الرياض في منظمة الصليب الأحمر . جلس بهدوء أمام مقدم البرنامج (ماركوس لانس – بالتلفزيون الألماني) ومضى يسرد مآسي من واقع المملكة؛ صار يتنقل بين موقعة وأخرى ينثر حكايات لا تقتصر، في رأيي، على بلد إسلامي دون الآخر. فبعد عودته إلى ألمانيا بدأ يسرد ما رآه أثناء عمله، حكايات أقرب إلى الأفلام منها إلى واقع دولة ترفع شعار الدين عاليا، قصص أغرب من الخيال وذلك من صميم المجتمع المغلق في عاصمة المملكة، بيد أننا نجدها في كل بلد من بلاد العالم الإسلامي والعربي وحدث ولا حرج.
يقول: رأيت في فقط هذه السنة ما يقدر بحوالي and#1634;and#1637;and#1632; من القتلى جراء حوادث المرور وهذا يستحيل أن يعيشه عامل اسعاف في المانيا خلال مدة عمله برمتها، من أول التوظيف إلى المعاش، وهذا ما أودعني إلى حالات من الأرق المستديم خلال فترة عملي هناك. وكنت أسأل نفسي، ما قيمة ابن آدم في هذه البلد؟ وكم يذكرني الموقف بأم سودانية ذهبت للبحث عن ابنها الذي هاجر إلى المملكة وانقطعت به الأسباب هناك. فلا حظها العاثر ولا الزمن المشؤوم اسعفاها أن تتقفى أثره، إذا وقعت قتيلة حادث حركة في طرقات جدة الوثيرة.
يقول سيفان: لا أحد يحترم قوانين المرور بالمرّة ولا ابسط أبجديات السلامة (ربط حزام الأمان في السيارة واللجوء للقضاء والقدر في هذه الحالة: "لو ربنا يِبِي أعيش فسوف أعيش"). تمتلئ المدينة بالسيارات الفاخرة التي تعتبر المتنفس الوحيد الذي من خلاله تتنفس الفحول دون الحرمات أي النساء. الجدير بالذكر أن من أخطر الطرق الطريق الدائري للمدينة وفيها يمكن أن يلقى ستة أو سبعة أشخاص مصرعهم خلال يوم واحد وبسبب حادث واحد قام به صبي من صبيان المدنية.
لقد قدم ستيفان باور لوظيفة سائق إسعاف في عام and#1634;and#1632;and#1633;and#1633; ويقول إن احصائيات قتلى حوادث المرور، حسب منظمة الصحة العالمية يقدر ب and#1639;and#1632;and#1632;and#1632; ألف في العام، ما يعادل ستة أضعاف حوادث المرور في ألمانيا (مقارنة بنسبة عدد السكان)، ولكنه يقول أن النسبة أعلى بكثير مما ننجده في احصائيات المنظمة المذكورة أعلاه. فالإحصائيات قابلة للتجميل والرتوش كما يعلم الكل.
يذكره مقدم البرنامج بحادث راجت أصداءه في كل أنحاء الدنيا، عن طالبة من مدينة الرياض طلب أهلها الاسعاف وحينما حضرت سيارة الاسعاف لم تدع الأسرة الممرضين الدخول إليها لأنها لم تكن محجبة حتى لقيت مصرعها جراء الآلام. يقول: وهناك حادث من نفس الطراز وقع بمدرسة بنات حضرنا إليها إذ أنّ المديرة أخبرتنا تلفونيا بأن هناك طالبة قد أغمى عليها وأنها فاقدة للوعي تماما، وحينما حضرنا لم يسمح لنا رجل الأمن بالدخول لأننا رجال، وهاهنا ينبغي – حسب قوانين المملكة - أن نلجأ أولا إلى الشرطة ونحاول معها السماح لنا بالدخول عبر حوارات سفسطائية مطولة ، وللأسف وحسب التجربة، يلقى البنات مصرعهم أثناء الحوار.
ذات يوم أُخبرنا بحالة ولادة في منزل وعندما أتينا لم يسمح رب الأسرة لزملائي العرب بالدخول بيد أنه سمح لي أنا، وبعد لأي، كأوروبي، لكنه حذرني بعدم اللمس، قائلا: شوف بس وما تلمس أي شيء. وجدت في تلك اللحظة الحرجة أن حال الأم أخطر مما كنت أتصور وأن عليها أن تضع حملها في التوّ إذ أنّ حبل المشيمة قد التف حول رقبة الجنين ويكاد أن يخنقه. وكم أخبرته هاهنا وأعدت له مرارا وتكرارا خطورة السناريو ووضعت له عسرة الموقف أمام أمّ عينيه، لكنه لم يتزحزح شبرا واحدا عن موقفه فرفض أخيرا، ثم قائلا: يجب أن نحملها إلى المستشفى وهناك نعرضها على طبيبة أنثى. وفي المستشفى مات الجنين. وحينما خرج الرجل من غرفة العمليات قال لي: معليش مات ونحن لا نعرف هويته وسوف نخلف طفلا آخر؛ فكدت أن أنفجر من شدة غيظي وألمي لنفس راحت بسبب سبهللية أب لا تدخل الرأفة قلبه تجاه روح بريئة؛ حدجته بناظريّ لحظة ولم أنبس.
ويذكر ستفان قضايا هامة أخرى لا تقل أهمية من تلك المسرودة سلفا ألا وهي تزايد عدد اللقطاء الذين يوضعون أثناء الصلوات أمام المساجد وهذا يعكس بدوره قضايا آنية وشائكة تتعلق بالمهن المهمشة مثل خادمات المنازل اللائي يأتين من جنوب شرق آسيا أو من أثيوبيا.
ومن هذا المنبر نناشد أهل الأمر بالمملكة بأن يعطوا كل ذي حق حقه وأن يحترموا حرمة النفس التي كرمها الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق